تبدأ القصة بشيء غريب وعجيب وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام في شوال من السنة السادسة من الهجرة - أي بعد مرور سنة من غزوة الأحزاب - رأى رؤيا، والرؤيا أنه يدخل البيت الحرام هو وأصحابه أجمعين معتمرين، ورؤيا النبيين حق، والرسول صلى الله عليه وسلم فهم من ذلك أن عليه أن يأخذ أصحابه ويذهبوا معتمرين إلى البيت الحرام.
يقول الله تعالى: [لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ] {الفتح:27}.
وهذا الكلام في منتهى العجب، وتخيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأخذ أصحابه، ويذهب في رحلة جماعية إلى مكة المكرمة، إلى عقر دار قريش لأداء العمرة، إنه أمر صعب على قريش، فمنذ عام واحد فقط جاءت الأحزاب في عشرة آلاف مقاتل؛ أربعة آلاف من قريش وستة آلاف من القبائل التي تحالفها من غطفان يحاصرون المدينة المنورة بغرض استئصال المؤمنين بكاملهم، والآن وبعد مرور سنة واحدة الرسول صلى الله عليه وسلم في شجاعة منقطعة النظير يأمر الصحابة رضي الله عنهم بالاستعداد لأداء العمرة في مكة المكرمة، وليس بينه وبين قريش أي نوع من التعهدات أو الصلح أو الاتفاقيات، هذا أمر لافت للنظر، وتقبل الصحابة رضوان الله عليهم هذا الأمر بلا تردد، بل كانوا في شوق شديد إلى ذلك.
والسفر إلى مكة المكرمة في ذلك الوقت سواء في عمرة أو في غير عمرة يحمل خطورة شديدة على المسلمين، والمسلمون تحملوا الكثير والكثير قبل ذلك من قريش، وقريش لم ترع قبل ذلك أي حق للبيت الحرام ولا للبلد الحرام، وانتهكت أعرافها قبل ذلك كثيرا، ومع ذلك فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما ترددوا في قبول الأمر النبوي للذهاب إلى العمرة في داخل مكة المكرمة، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا يحاول الاستفادة قدر المستطاع من قوانين المجتمع المشرك الذي يعيش فيه.
الأعراف الدولية في ذلك الوقت والأعراف في الجزيرة العربية وأعراف قريش ذاتها تقضي بأن الذي يذهب إلى أداء العمرة في مكة المكرمة آمـن مهما كان بينه وبين قريش من خلافات، هكذا كانت القوانين.
فهل تحترم قريش القوانين القديمة والمعروفة بحماية من يزور البيت، أو من يريد أداء العمرة، أم أنها ستقف أمام المسلمين وتمنع دخولهم للبيت الحرام؟