خرج الصحابة رضي الله عنه سعداء وقد انشرحت صدورهم لهذه العمرة مع خطورتها، طائعين لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانشراح الصدر شيء هام وبداية طيبة، وقد أخبر الله تعالى عن موسى عله السلام كما في القرآن الكريم: [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي] {طه:25}..
ذلك لأن الإنسان عندما ينشرح صدره في عمل ما يكون أداؤه فيه أداء مميزًا، حقيقة ليس هناك أي نوع من الإكراه لصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذه المهمة الصعبة.
ولكن على الناحية الأخرى نجد جميع المنافقين كرهوا أن يخرجوا إلى هذه المهمة الصعبة، وقد ترددوا كثيرا، وفكروا طويلًا، وفي النهاية كان قرارهم أنهم لن يخرجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مكة؛ لأن في تخيلهم أن هذا الأمر مهلكة لهم، كيف نذهب إلى قريش في عقر دارها وبسلاح المسافر، هذا أمر خطير للغاية، ولذلك لم يخرج مع المسلمين إلا منافق واحد كان اسمه الجد بن قيس.
الأعراب أيضا حول المدينة المنورة دعوا إلى الخروج، ولكنهم جميعا أبوا أن يخرجوا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ثَمّ كان الصف الذي خرج من المدينة إلى مكة صفا خالصا نقيا طاهرا وكانوا - تقريبا - ألفًا وأربعمائة مؤمن، وليس فيهم إلا منافق واحد لن يكون له أثر في جموع المؤمنين، ونحن رأينا في الغزوات السابقة أن الرسول صلى اله عليه وسلم إذا خرج بصف مؤمن خالص كان النصر قريبا بإذن الله عز وجل، وسوف نرى نتائج عظيمة في هذا الصف النقي الطاهر في المدينة المنورة.
في غرة ذي القعدة سنة ست من الهجرة النبوية - أي بعد عام من الأحزاب - اتجه عليه الصلاة والسلام إلى مكة المكرمة معتمرًا، ومعه ألف وأربعمائة صحابي وفي رواية أخرى ألف وخمسمائة صحابي، وزوجته أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، وعند ذي الحليفة - وهي الآن آبار علي، وهي المكان الذي يحرم منه القادمون من المدينة إلى مكة - أحرم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقلد الهدي، وكان مع الصحابة رضوان الله عليهم مجموعة ضخمة من الإبل ليذبحوها في مكة المكرمة، وأخْذ الهدي في العمرة من النوافل.
أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وأحرم الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، وبدء الجميع بالتلبية، و كل هذا يدل على أنهم لم يذهبوا إلى مكة إلا للعمرة فقط، وهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن هناك عيونا كثيرة لقريش على الطريق، وأن هذه العيون لا شك ستنقل الأخبار إلى مكة المكرمة، وأنه لا يريد حربا في مكة، ولم يذهب المسلمون لمكة إلا للعمرة، وما رآه صلى الله عليه وسلم في الرؤيا هو فقط مجرد العمرة، ولذلك لم يخرج المسلمون إلا بسلاح المسافر.